في من ابن قال على الرومي حين بن

٢ ...

٣ ...

زخرف القول: القول الـمُزيَّن الـمُمَوَّه المحسَّن.

والمعنى في تزيين القول وزخرفته تزيين للمعاني الباطلة المتضمنة فيه، والحق قد يعتري أصحابه سوء تعبير عنه.

وأراد ضرب مثال لزخرف القول، فقال:

 

الـمُجاج بضم الميم الرِّيق الذي يمجه الإنسان من فيه. يقال: المطر مُـجاج المزن، والعسل مُـجاج النحل.

الزنابير هي الدبابير وواحد الزنابير: زنبور، وهو حشرة معروفة تشبه النحلة.

قال الدُّمَيري في حياة الحيوان: (ربما سميت النحلة زنبورا). فعلى هذا يحمل معنى البيت، وهو أنه حين أراد مدح العسل وتزيينه في النفوس شبهه بـمُجاج النحل، وحين أراد ذمه وتقبيحه شبهه بقيء الزنبور، وحقيقة العسل واحدة لم تتغير إلا في زخرف القول.

 

مدحا في العبارة الأولى حين قال: مجاج النحل، وذما في الثانية حين قال: قيء الزنابير، ولم يتجاوز في العبارتين هذين الوصفين، والحقيقة واحدة.

وعلى العاقل أن ينتبه لهذا الجانب حين يحكم على الأقوال المنقولة، فكم من قول باطل قبلته النفوس لعرضه بقالب جميل وصورة مقبولة، وكم صواب مجَّته النفوس لعرضه بقالب قبيح وصورة ممجوجة، ولذلك يقول ابن القيم -رحمه الله-: (إذا أردت الاطِّلاع على كُنْهِ الـمَعنى هل هو حقٌّ أو بَاطِلٌ فَجرِّدْه من لِبَاس العبارَة)، وذكر أبو حامد الغزالي -رحمه الله- أن أقلَّ درجات العالم مما يتميز به العامي أن العالم (لا يعاف العَسَل، وإن وجده في محجمة الحجَّام)، والمقصود العناية بتمييز الحقائق وتوخي العدل في الحكم عليها، وعدم التأثر بالقوالب الخارجية.

وقال ابن خلكان: صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها، ويبرزها في أحسن صورة، ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره، ولا يبقي فيه بقية. وأبرع ما اشتهر به ابن الرومي الوصف، وكان يغالي فيه العقاد ويقول: لست أعرف فيمن قرأت لهم من مشارقة ومغاربة أو يونان أقدمين وأوربيين محدثين شاعرا واحدا له من الملكة المطبوعة في التصوير مثل ما كان لابن الرومي. ومن أشهر شعره داليَّتُه في رثاء ولده محمد. 

قيل -في قصة موته-: إن القاسم بن عبيد الله الوزير كان يخاف من هجو ابن الرومي، فدس عليه طعاما مسموما فأحس بالسم، فوثب، فقال الوزير: إلى أين؟ قال: إلى موضعٍ بعثتني إليه. قال: سلِّمْ على أبي. قال: ما طريقي على النار! فبقي بعدها أياما، ومات. كتبت عنه بعض الدراسات المعاصرة نحو كتاب "ابن الرومي حياتُه من شِعره" لعباس محمود العقاد.